Saturday, September 8, 2007

كوابيسكو

بقلم يوسف معاطي
كوابيسكو


ما الذي أتي بي إلي هنا؟‏!‏ وحدي واقفا فوق برج القاهرة أتفرج علي مصر من هذا الارتفاع الشاهق‏!!‏ كيف لمن هو مثلي مريض بفوبيا الأماكن العالية أن يخاطر هكذا؟‏!‏ انني حتي لا أجرؤ أن أنظر إلي تحت‏..‏ ياساتر يارب‏!!‏

لماذا يشيد البشر هذه المباني الشاهقة؟‏!‏ لو كنت في مركز التجارة يوم‏11‏ سبتمبر لاخذت الطائرة المرتطمة بالمبني بالحضن‏...‏ ولما جرؤت ان أقفز كما فعل البعض‏,‏ بدأت أدوخ فعلا‏..‏ سقط قلمي فجأة من جيب القميص منتحرا من فوق البرج‏.‏

في ستين داهية‏..‏ يعني كان ح يقول آيه ولا حيكتب أيه‏!!‏ ماهذا‏!!‏ هل السور الحديدي الذي أستند عليه بكلتا ذراعي يهتز؟‏!‏ أم أنها مجرد تهيؤات‏!!‏ كيف حدث هذا السور ينكسر وأنا‏..‏ أسقط من فوق البرج‏.‏ لم استطع أن اتشبث بأي شئ‏..‏ أهوي بكل سرعة نحو الأرض‏..‏ الجاذبية الارضية تشفطني بكل قوة إلي أسفل‏..‏ يارب انقذني‏..‏ وأنتم ايها الواقفون أسفل البرج‏.‏

أفعلوا شيئا‏..‏ افردوا ملاءة‏..‏وانتظروني بها لا وقت للتفكير أرجوكم‏..‏ ان سرعة نزولي شديدة‏..‏ لقد بلغت منتصف المسافة في اقل من خمس ثوان‏..‏ وأنتم تنظرون نحوي بدهشة كالاصنام ياناس‏..‏ رجل يسقط من فوق البرج‏..‏ تصرفوا أرجوكم‏..‏ لقد اقتربت جدا‏..‏ جدا ولكن‏..‏ أيعقل هذا‏!‏ أنا أسقط من فوق البرج؟‏!‏ كيف‏..‏ لابد وأنني أحلم‏!‏ فعلا أنا أحلم‏..‏ هذا لايصلح إلا أن يكون حلما‏..‏ الله‏!‏

ما أروع هذا فعلا انه فقط مجرد حلم‏..‏ إذن لاخوف من سقوطي‏..‏ لابد وأنني الآن نائم علي سريري وساستيقظ بالتأكيد كثيرا مايحدث لي ذلك‏..‏ وطبعا يحدث لكم ان تشعر اثناء الحلم أنك تحلم‏..‏ حدث ذلك حينما كانت عصابة تطاردني وكانوا يطلقون النار علي وأنا أجري مرعوبا ثم تسمرت قدماي في الأرض وأنا أصرخ‏..‏ والعصابة تقترب والشرر في عيونهم سيفتكون بي‏!‏ إلي ان ادركت ـ في الحلم ـ انني أحلم‏..‏

فابتسمت والتفت نحو العصابة بكل ثقة‏...‏ وأفقت من نومي‏..‏ ومرة غرقت في رمال ناعمة في الصحراء‏..‏ وأخذت أغوص وأغرق حتي كادت الرمال تغطي وجهي وأختنق ثم أدركت انني أحلم فكان لغرقي في الرمال طعم رائع‏...‏ ما أروع تلك الكوابيس حينما نكتشف في حينها انها مجرد أحلام‏..‏ لنفيق بعدها علي الواقع الجميل وهو اننا لانزال في البيت في حجرة النوم‏..‏

ألستم معي في أن الكوابيس التي تأتي لنا أفضل من الأحلام الجميلة‏..‏ فقط دربوا اللاوعي عندكم علي ان يعرف في اللحظة المناسبة ان مايحدث الآن هو كابوس سينتهي بسرعة لتعود الحياة هادئة جميلة مستقرة‏..‏ أما الاحلام الجميلة فصدقوني هي من أسوأ ما نمر به في حياتنا وأعطيكم مثلا حيا يوم السبت الماضي‏..‏

كنت جالسا مع السيد عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية‏..‏ كان متفائلا جدا وبشوشا قال لي أخيرا وقعنا اتفاقية السوق العربية المشتركة‏..‏ حالة رائعة من الوئام والاتحاد والحب تسود المنطقة العربية‏..‏ ثم ابتسم ابتسامة رائعة وقال لي بود‏..‏ وحكاية العراق كمان خلصت ياسيدي‏..‏ وحماس وفتح قعدوا مع بعض وحلوا كل مشاكلهم‏..‏

لم استطع ان اتمالك مشاعري من الفرحة أخذت أرقص‏..‏ وأصفق في سعادة‏.‏ وللأسف أفقت من حلمي علي الواقع المرير‏..‏ لماذا لا يدرك الانسان وهو يحلم حلما جميلا أنه مجرد حلم؟‏!‏ لماذا نفيق من أحلامنا الجميلة علي الاحباط والاكتئاب؟‏!‏ بالأمس القريب جاءني أحد المنتجين وأخرج من حقيبته مائة ألف جنيه‏..‏ رصهم أمامي ثم ابتسم وقال امسك دول‏..‏ قلت له بتوع أيه دول‏..‏

أجاب دول مش أجرك دول مكافأة مني تقديرا لعبقريتك‏..‏ لم أصدق نفسي‏..‏ أخذت اعدهم فاذا بهم مائة وخمسين الفا قلت‏..‏ له‏..‏ هناك خطأ في الحساب‏..‏ الفلوس دي زيادة قال عليه النعمة ماترجعهم ياسيدي‏..‏ الالوف عند بعضها‏..‏ كانت لحظة من أسعد اللحظات التي مررت بها في عمري كله‏..‏ لم يقطعها سوي أنني صحوت من نومي فجأة لأقرأ في الجرائد خبر هروب المنتج من البلاد‏..‏

وقد أكل علي أكثر من نصف أجري وذهبت إلي الساحل هاربا من أحلامي‏..‏ تمددت علي الشاطيء كان الكل نائمين‏,‏ لا أعرف كيف يأتي الناس إلي البحر وينامون؟‏!‏ انا لا أستطيع ان أغمض جفني أمام البحر‏..‏ اننا لا نصيف فقط بأجسادنا‏..‏ وانما بأعيننا ايضا وفجأة خرجت من البحر جنية من الجنيات اللاتي لايظهرن إلا في الاساطير عذرا لاتقلقوا فقد أتاني نفس الهاجس الذي اتاكم الآن‏..‏ لا لم اكن نائما‏..‏

قرصت نفسي قرصة وضربت خدي ضربتين‏..‏ واذا انا في كامل يقظتي كانت ترتدي ذلك المايوه الذهبي الذي تناغم مع شعرها الذهبي المجنون فجعل المشهد لايليق به‏..‏ أن يكون واقعا وانما لابد أن يكون حلما ولكنه لحسن الحظ واقع رائع لا أريد أن أصف لكم مقاييس جسمها‏..‏ انما تكفي كلمة قنبلة لتفي بالمعني‏..‏ وفجأة اقتربت مني القنبلة وكم تمنيت أن تنزع الفتيل وسألتني بدلال‏..‏ لماذا تنظر نحوي هكذا؟‏!‏

قلت لها وهل يجرؤ مخلوق ألا ينظر نحوك هكذا؟‏!‏ ابتسمت في ثقة وقالت‏..‏ ماذا تريد مني؟‏!‏ كان السؤال مفاجئا أشبه بعطشان في الصحراء وجد أمامه مصنع أيس كريم ويسأله أحدهم عاوز مانجه ولا فانيليا‏!!‏ لاحظت هي ارتباكي ضربتني بيدها الطريه علي كتفي وقالت اهدأ المسألة بسيطة انا فتاة أحلامك‏!!‏ صرخت فيها مذعورا يعني أيه‏..‏ يعني انا دلوقت بحلم؟‏!‏ وأفقت للأسف الشديد علي كرة ترتطم بجبهتي وابنتي تقفز فوقي جارية مع صديقتها وهما تلعبان وزوجتنا جالسة بجواري آه‏....‏ ما أبشع الأحلام وما أروع الكوابيس‏..‏ يا أعزائي‏.