Friday, June 15, 2007

قول .. عدس

قول .. عدس

في كتاب مجمع الأمثال (للميداني) أمثال عربية رائعة .. تلخص معاني كبيرة ثمّ حكاية كلّ مثل ..
ولماذا صار مثلاً .. والأمثال هي رغبة في الإيجاز والتلخيص كما أنّها طريقة تفحم بها من يجادلك ..
ابني على كتفي وأروح أدوّر عليه !! خلاص .. هكذا يحسم الموضوع ،
زغرتي ياللي مانتيش غرمانة .. هكذا .. أنت لا رد لك .. إلا بمثل طبعاً .. والأمثال مليئة بالتناقضات
ولا نهاية لها .. ولو فتحنا في الأمثال لن نخلص .. والأمثال صارت خير معين الآن لكتّاب المسلسلات
التيليفزيونيّة وكتّاب الأدب الساخر .. كما نسمعها كثيراً أيضاً في جلسات مجلس الشعب ..
ورواية الأمثال هي طريقة خبيثة لإضفاء على راويها خبرة عميقة وفلسفة وحكمة ومعرفة ولأنّ كتاب
تيمور باشا في الأمثال .. موجود .. ولأنّ الأمثال سهلة الحفظ .. فقد تحوّل كلّ من حولي فجأة إلى
خالتي بمبة بدون أيّ مناسبة ..
كنت أحكي لصديق موضوع ما معقّد جداً .. وله أبعاد ومنحنيات كثيرة أريد أن آخذ رأيه ولكنّه فجأة أوقفني
وقال لي .. بس .. بس .. بس !! اللي تعرف ديّته اقتله !! ما معنى هذا .. يا سيدي اسمع قال في
نفاد صبر .. ما أنا جبتلك من الآخر .. اللي ينكسف من بنت عمّه ما يجيبش منها عيال .. ولم يكن
للموضوع أيّ علا قة ببنت عمّي .. ولا عيالها !! يا عمّ اسمعني .. أريد أن أكمل لك الحكاية ..
قال لي اسمع اللي أنا بقولّك عليه .. خالتي وخالتك واتفرّقوا الخالات .. ولمّا وجدت أنّه سيدخل
خالتي في الموضوع وأنا لا أريد للموضو ع أن يكبر فقد رددت عليه قائلاً .. ما تخدش رأي العبيط
ولو في موضوع بسيط .. فقال لي مندهشاً .. ما هذا .. قلت له مثل .. قال لي أنا لم أسمع
مثلاً هكذا .. فقلت له .. ما أنا اللي عامله .
ألا تلاحظوا معي أنّ هناك حالة تصل إاى الظاهرة في مجتمعنا وهي أنّ كلّ من حولنا صاروا يعرفون كلّ شيء ..
ويفهمون كلّ شيء .. إنّ تباهي الإنسان بذكائه ومعرفته الواسعة شيء جميل .. ولكن أن يصبح كلّ من تقابله
( أبو العرّف ) فهذه مسألة مرهقة جداً ، في مباريات كرة القدم مثلاً .. لا تكاد المباراة تبدأ .. إلا ويتحوّل كلّ من يتفرّج
إلى خبير في كرة القدم ـ يضع الخطة ويتحكّم في سير المباراة تماماً .. ولا يشاهد أحدهم
فيلماً سنسمائيّاً إلا ويتحوّل بقدرة قادر إلى ناقد سينيمائي ومخرج ومؤلّف ومنتج أيضاً ..
وكلّ من تقابله يعطيك انطباعاً أنّه يغرف أسراراً خطيرة وقد همس لي أحدهم ذات مرّة ..
حيشيلوا الوزير الفلاني في يونيه اللي جاي .. قلت له .. ازّاي .. قال اسمع اللي بقولّك عليه
ده كلام جاي من فوق قوي .. خلّيها في سرّك .. ثمّ أتحفني بمثل كالعادة .. أصل العيار اللي ما يصيبش يدوش ..
والميّة ما بتطلعش في العالي .. والعين ما بتعلاش عن الحاجب كلّ هذا وهو يهمز لي بخطورة ..
وأنا لا أعلم علاقة اعفاء الوزير من منصبه بالعيار اللي بيدوش والميّة والحواجب .. المهمّ ..
إنّ ما قاله لي هذا كان متذ عشر سنوات وحتّى الآن لم يعف الوزير من منصبه .
ولقد بحثت في أصول كثير من الأمثال فوجدت أن ّ الناس زمان كانت فاضية ولا تشاهد القنوات الفضائيّة
وأنّ أحداثاً تافهة مرّت بحياتهم تحوّلت إلى أمثال ومواعظ وعبر .. تناقلها الناس بعد ذلك دون أيّ معرفة ..
وعلى رأي المثل الذي لم أعرف قصّته وسأجنّ إذا لم أعرفها .. ( اللي ما يعرفش يقول عدس ) آه يا أعزّائي ..
ولماذا عدس بالذات .. فإذا كان لا يعرف فلماذا يقول عدس ؟ وإذا عمل الناس بهذا المثل .. لصارت لغتنا اليوميّة كلّها
عدس في عدس ..
لماذا غزت أمريكا العراق ؟ قول عدس .. لماذا فاجأنا العقيد القذّافي بقراره المفاجيء؟ نقول عدس .. لماذا اعتدى
الفلسطينين على أحمد ماهر ؟ برضه عدس .. لماذا تدهور اقتصادنا هكذا فجأة ؟ شوربة عدس طبعاً ..
ولماذا انتشر الفساد والرشاوي في الأيّام الأخيرة ؟ فتّة عدس بالتأكيد ..
أعزّائي .. جميل جداً أن نعترف بأنّنا لا نعرف .. ويقول المثل عذراً لم أستطع أن أتخلّص من هذه العادة بعد ـ
( من قال لا أعلم فقد أفتى ) وإذا كانت مضايقاك قوي أن تقول لا أعلم عشان منظرك .. قول عدس ..
افعل مثل أهل مالطة وهم يتفانون في خدمة السائح .. ويروى أنّ سائحاً إنجليزيّاً سأل أحدهم
يوماً عن موعد القطار التالي .. فأجابه بأنّه لا يعرف .. ومضى الإنجليزيّ في طريقه ولكنّه ما لبث
أن سمع صوت الرجل الذي سأله وهو يعدو خلفه وهو يلهث من التعب .. يا أستاذ .. يا مستر ..
لو سمحت .. فتوقّع الإنجليزيّ أنّه سيخبره بالموعد .. وفعلاً .. صاح به الرجل .. سيّدي .. عذراً ..
بعد أن تركتني سألت صديقاً لي عن موعد القطار .. فقال له الرجل الإنجليزيّ ، أشكرك وما موعده ..
فقال الرجل .. لقد قال لي صديقي أنّه لا يعرف أيضاً .. !!!!!

6 comments:

Zika said...

عدس
فكرة المدونة بتاعتك رائعه جدا
وهتابعها ان شاء الله
الي الامام مستني منك المزيد

Unknown said...

ميرسي يا عربي
وانا من عشاق يوسف معاطي
وان شاء الله
هيكون فيه جديد دايما فى البلوج
ومستنيك اكيد
نورت البلوج

break said...

بجد حلوة اوى المقالة دى
يوسف معاطى زى العسل اصلا


ذوقك حلو :)

تحياتى

Unknown said...

ميرسي يا بريك دايما منورة البلوج
يوسف معاطي اصلا حته سكرة
نورتى التوبيك يا جميل

سمراء said...

انا بدءت اقرا اهو من الاول وبجد بجد ليك حق انك تعجب بيوسف معاطى فأسلوبه وفكره حلويين اوى البركة فيك خليتنى ا قراله
وعجبنى جدا ومقاله عن نظام عبد الديم فعلا روعة

تسلم ايدك على المدونة الرائعة دى انا هبدء اتابع

وبتمنى فى يوم من الايام اشوفك زيه كده

Unknown said...

اكيد طبعا انا معجب بقالات الكاتب الساخر يوسف معاطي
واسلوبه ونظرته وتحليله وفلسفته
والحمد لله ان الاعجاب ده انتقل لك
وان شاء الله هنلاقى المزيد والمزيد للكاتب يوسف معاطي