Wednesday, July 4, 2007

استقيلوا يرحمكم الله

كتب يوسف معاطي

استقيلوا يرحمكم الله


لنعترف يا إخواني أنّها مسألة صعبة جداً .. بل لنكن أكثر إنصافاً ونقول أنّها شديدة الصعوبة هي مسألة تتطلّب
شجاعة منقطعة النظير .. قلب جامد .. بل ميّت .. جرأة تصل إلى حدّ التهوّر .. فلا تستهن أبداً بذلك الرجل
الذي يحضر ورقة .. وقلماً ويكتب دون تردّد .. السيّد فلان الفلاني رئيس مجلس إدارة كذا .. أتقدّم إليكم
باستقالتي .. إنّ فكرة ( الاستقالة ) أو التخلّي عن المنصب صارت مسألة شبه مستحيلة وليس السبب في ذلك
ـ لا سمح الله ـ لتشبّث أصحاب المناصب بمناصبهم أو حاشا لله .. لأنّ الكراسي لها بريق وقعدتها مريحة .. أو
أعوذ بالله ـ لاستفادة أو لتربح من المنصب .. إطلاقاً .. السبب الحقيقي ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله ـ هو أنّ فكرة
الاستقالة ذاتها لم تعد من الأفكار الواردة على العقل وإذا كانت المستحيلات ثلاثا .. هي الغول والعنقاء والخلّ
الوفي فرابع المستحيلات هي .. الاستقالة والخواجات يقولون أنّ الحياة عندهم تبدأ بعد السبعين وهذه حقيقة ..
وتنتهي عندنا بعد الثلاثين وهذه ظروفنا !! ومع تقدّم الطبّ والاهتمام بصحّة الإنسان سيزيد متوسّط عمر
البني آدم بالتأكيد ممّا يترتّب عليه أن يزيد متوسّط الفترة التي سيجلسها على الكرسي برضه فماذا لو عاش
الإنسان في أيّامنا هذه كما عاش المعمّرون من العرب ‍‍‍؟‍ مثل أكثم بن حيفي الذي عاش 360 سنة .. واسمه
أكثم مثل اسم الذي نجا من عمارة مصر الجديدة وأخرجوه من تحت الأنقاض يبدو أنّ كلّ من هو أكثم طويل
العمر .. ودريد بن الصمة الذي عاش 170 سنة .. حتّى سقط حاجباه على عينيه .. ( عشان ضرب بعينه فوق
شويّة ) وعدي بن حاتم الطّائي عاش 220 سنة وهو ابن حاتم الطّائي كريم العرب ويبدو أنّه من فرط كرمه ..
كان الناس يدعون لابنه بطول العمر فعاش قرنين من الزمان وعقدين من السنين .. وعمرو بن معد يكرب الذي
عاش 320 سنة .. وده ما ماتشي ـ لم يمت ـ ده زهق ‍‍ ولنتخيّل يا أعزّائي ـ مجرّد خيال ـ أنّ واحداً من هؤلاء
المعمّرين كان يحتلّ منصباً مرموقاً واللا حاجة .. وزيراً مثلاً .. وظلّ في الوزارة هكذا قرناً واللا قرنين .. وحتّى
لا نكون مبالغين .. لنتصوّر أنّ دريد بن الصمة اللي حواجبه وقعت ده ـ كان وزيراً .. تولّى الوزارة وهو في
الخمسين من عمره وظلّ بها حتّى بلغ مائة وسبعين عاماً .. فهل كان بن الصمة سيجرؤ على أن يقدّمها أو يكتبها ..
أنا مستقيل ؟ لا أظنّ .. إنّ الفكرة نفسها غائبة .. ليست مطروحة .. ولذا أقترح أن يضاف إلى القسم الذي يقسمه
المسئول حينما يتسلّم عمله .. بأن يخدم الوطن والشعب عبارة جديدة .. وهي .. وأقسم أن أترك منصبي يوماً ما
وأنا على قيد الحياة .. وليتدرّب المسئولون على الاستقالة .. بعمل بروفات استقالة شفهيّة ومكتوبة كلّ شهر .. أو
كلّ ثلاثة أشهر مثلاً .. في شكل دورات للتدريب على الاستقالة . يتدرّب فيها الوزير على تقبّل فكرة أن يخاطبه
الآخرون بلفظ ( وزير سابق ) ويخرج من الوزارة .. ياخد تاكسي ويروّح بيتهم بدري .. فلا يجد الحرس ولا
الكشك فيجلس في البلكونة في الشمس .. ويبتسم للحياة .. إنّ فكرة الاستقالة لو تقبّلها المسئولون لصار مجتمعنا
رائعاً بحقّ .. إنّ اتّحاد كرة القدم لم يستطع أن يقدّم استقالته لأسباب نفسيّة .. وقالوا .. اشمعنا احنا يعني اللي
نستقيل .. عشان يعني طلعنا من الدور الأوّلاني .. مافيه مسئولين عملوا بلاوي سودا وما استقالوش
عاوزينّا نستقيل ماشي بس ما نطلغش من هنا إلاّ في إيدينا خمس وزرا وأربع محافظين وكلّه كرداسة جلاليب
يعني .. ولو تعامل المسئول مع فكرة الاستقالة ببساطة لما انزعج منها هكذا .. لقد استقال وليّ عهد بريطانيا
العظمى ( دوق وندسور ) وترك عرش الإمبراطوريّة لأنّه أحبّ مطربة بسيطة ( مسز سمبسون ) وعلى
فكرة سمبسون ده جوزها بس هيّه استقالت منّه هوّه راخر .. وعليه فليست كلّ الاستقالات مأساويّة .. وقد
استقال ( مهاتير محمد ) من حكم ماليزيا وقال الكلمتين اللي كان حايشهم في قلبه وأذهل الدنيا كلّها وقعد في
بيته .. إنّ لحظة الاستقالة ليست دائماً لحظة تعيسة .. فهي اللحظة التي تشعر عندها .. أنّك أعطيت كلّ ما
عندك أو أنّه لم يعد عندك ما تعطيه .. أو أنّ هناك آخرين يستطيعون أن يعطوا أكثر ، ولحظة الاستقالة بها
شجن .. وبها فرح .. مثل لحظة زواج ابنتك .. أو تخرّج ابنك من الجامعة .. لحظة تصالح مع النفس واعتراف
بأمر واقع .. ولحظة صدق مع الحياة .. وتأكّد أنّنا .. أنا وأنت إذا فعلناها واستقلنا .. لن تقف مصر .. والحياة
ستستمرّ .. هيّا يا عزيزي توكّل على الله .. لقد كتبت نموذجاً للاستقالة سيعجبك قوي .. سأرسل لك نسخة وأنت
بأه صوّرها .. وابعتها لحبايبك .. نقول مبروك ؟!!



1 comment:

Heart Beat said...

عزيزي

بوست جميل كمان و زي ما قريت مؤخرا ان في برضه وزير ياباني قدم استقالته عشان حاجه برضه حصلت في الوزارة بتاعته ماعجبتوش فقدم الاستقالة و عمل مؤتمر صحفي كمان اعتذر فيه عن اللي حصل

و لما خلص الخطبة بتاعته انحنى انحناءة بسيطة جدا للحضوور

ما اروع ان الانسان يحترم نفسه و ذاته قبل اي احترام لمنصب